تحت قهر الظروف والخطيئة أودعت طفلها دار رعاية الطفولة وتحلم بعودته إلى حضنها!
عندما ضاق الأمر بها ذرعًا، ووجدت نفسها خارج نطاق المقدرة، حملت طفلها الرضيع الذي لم يتجاوز الشهرين، لتودعه في دار رعاية الطفولة. كانت المسافة الزمنية الفاصلة بين توقيعها لعقد التنازل عنه للدار، وبين خروجها من البوابة تختزل كل ما مرَّ في حياتها من تفاصيل وقسوةٍ وضياع، اختصرتها شقيقتها «شيخة» بعبارة موجعة وكأنها صك الغفران الذي ينجيها من عذاب الضمير: «شرٌ لا بد منه».
التكوين: أحمد بن سيف الهنائي
عادت سميرة إلى الحافلة، وهي تذرع الطرقات عودةً لمضارب أهلها، رضيعها الذي بدا وادعًا بين يدي إحدى الأخصائيات بالدار لحظة استلامه، أشعل كل الحنق والغضب والألم والحسرة بداخل أمه، التي تندب حظها العاثر الذي ساقها إلى ارتكاب هذه الجريمة الإنسانية البشعة بحق وليدها، لتقطع الأخت شرودها وكأنها تخفف من الركض المتواصل في رأسها بلطمةٍ مُسكّنةٍ أخرى: «هدّئي من روعك، وعليه أن يعيش قدره؛ فقد جرت المشيئة أن يحيا بلا أبوين».
تغادر الحافلة أجواء مسقط، لكنما ابنة الثمانية والعشرين تود لو أن الحافلة تستمر في المسير إلى ما لا نهاية، فقد أوشكت حياتها على النهاية، وهي تستذكر المآل الذي وصلت إليه، وجرم الخطيئة التي أجبرتها على ذبح أمومتها بلا رحمة، وبعد مرور بضع سنواتٍ على الحادثة، هيأت لنا المجال للاقتراب منها، ومعرفة بعض التفاصيل التي تلقي بظلالها على الأطفال اليتامى الذين وجدوا أنفسهم بلا ذنبٍ يعيشون حياةً ملأى بالتساؤلات والحيرة عن معنى الأبوة والأمومة، إلا من تلطفت بهم الرحمة الإلهية فوجدوا من يحتضنهم عبر أسرٍ بديلة تطفئ لهيب الأسئلة القاسية.
تروي قصتها وأعينها تطفح بالقهر والندامة إذ تقول: كحال الكثير من الفتيات، بدأ حلم الاستقرار والزواج يدغدغ مخيلتي، خصوصًا وأنا أرى أخواتي ورفيقات عمري يلتحقن بقطار الزوجية، عندها تعرفت على شابٍ عُرف عنه الخلق وحبه للخير، وهو من عائلةٍ معروفة، ما جعلني أشعر بالاطمئنان نحوه، قدم لي الوعود الكثيرة بالزواج ورفاهية الحياة، وللأسف انجررت نحو عاطفتي وانصعت لقلبي، وفي لحظة غيابٍ للعقل ومضي فترةٍ من العلاقة، وجدتني أسيرة له، وقد فعل ما لم أستطع معه منعه، وقد وهبته أثمن ما لدي بعد أن أقسم لي أيمانًا مغلظة بخطبتي الأسبوع المقبل، جاء الخميس ولكنه لم يأتِ، هاتفته كثيراً فلم يجب.
كل ما وصلني منه رسالة مفادها: «لقد وقعنا في المحظور، ولا أستطيع الارتباط بك، ولصالح الطرفين أن لا نفعل؛ إذ أن حياتنا ستتحول إلى جحيمٍ من الشك والقلق، ومن الأفضل لكِ أن تنسي كل شيء».
هنا أدركت أن الفاجعة قد حلت، وما زاد من هول المصيبة اكتشافي لاحقًا أنني حبلى، وبدأ بطني في الانتفاخ، وعندما طلبت منه معالجة الأمر بخطبتي، رد عليَّ بلا مبالاة: «أنا لا أعرفك، ويمكنك اجهاض الحمل، وأرجو عدم إزعاجي». كان هذا القذر يعلم أنه لا توجد قوة في الأرض تجبره على الاعتراف بالطفل، ومتى ما لجأت لأهلي فإنني سأكون في عداد الأموات.
لوهلة ظننت أن والدي سيتفهم أمري، خصوصًا وأنني الأقرب إليه من جميع أخواتي، نحن عائلة مكونة من سبع فتيات، وأمٍ رحلت إلى العالم الآخر قبل أن تمد لي يد العون وتنتشلني مما أنا فيه، كنت حبيسة الفراش، وكثيراً ما اعترفت بخطئي لشيخة، فهي الوحيدة من تفهمت وضعي إلى يومي هذا.. أجل أنا أخطأت وارتكبت إثمًا عظيمًا بهذه العلاقة المأثومة، لكنني بشرًا والبشر جميعهم عرضة للخطيئة.
اجتمعت شيخة بوالدي، وكاشفته بالأمر لعله يمثل ورقة ضغطٍ على هاتك العرض ويجبره على الزواج مني، لأفاجأ بدخول والدي علي وهو يشهر سلاحه نحوي، توقف الزمن لبرهة، وكأن شريط الذكريات الفاصل بين لحظة الموت والحياة ماثلٌ أمامي، ولولا تذلل أختي وصراخها لفعلها والدي المقهور الذي وجد عرضه مهتوكًا، وممن؟ من أقرب بناته إلى قلبه، تعرضت بعدها لأبشع أنواع الاضطهاد والقسوة؛ لكني أدرك أنني أستحق ذلك، فالخطأ كان كبيرًا، ومع رفض الوالد فكرة إجبار الشخص الآخر على الزواج زادت معاناتي.
الجميع يشير عليَّ بإجهاض الطفل، ولكني ضعفت حيال ذلك، الإجهاض يعني قتل طفل خلقه الله ونفخ في روحه، وفي لحظاتٍ كثيرة من حياتي تمنيت لو أنني أجهضته فعلاً، لكن مشيئة الله سرت في أن ألده، وينتشر الخبر وسط بقية عائلتي أن سميرة أنجبت طفلها سِفاحًا.
تكتمت العائلة على خبر الولادة، ومن قبلها كنت ملازمةً لغرفتي أشهرًا طويلة، مما خفف من انتشار الفضيحة، لكن المحافظة على عدم الانتشار تطلب أمرًا آخر قاسيًا، هو أن أتنازل عن طفلي لدار الرعاية، ووسط قسوة أبي واضطهاد العائلة لي، قبلت بالأمر على مضض، وتخليت عن الطفل على أمل أن أسترده عندما تتغيرالظروف.
مضت السنوات ببطء قاتل، وكلما فاتحت والدي في استعادة طفلي -حتى وإن كانت تحت ذريعة أنه بالتبني أمام عامة الناس- إلا أنه رفض ذلك، ولم أستطع إقناعه، ورغم تدهور وضعه الصحي أخيرًا ظلَّ مصرًا على موقفه، قائلاً لي تستطيعين فعل ما تشائين بعد موتي!.
تواصل سميرة سرد معاناتها، بقولها: يبدو الإنسان ضعيفًا أمام جبروت الحياة، نعم نُخطئ أحيانًا، لكن حرمان الأم من طفلها هو خطيئةٌ أكبر، ومن شدة غبائي ظننت أنني سأقدر على نسيانه بمجرد التنازل عنه، إنما ذلك لم يحدث ولن يحدث، بل إنني لم أهنأ بعيشٍ طوال هذه المدة، غير أني على معرفةٍ بأنه لا يزال في الدار ولم يتبنّه أحد حتى اللحظة، ما يجعل الحلم قائمًا في احتضانه والعودة إليه، والنفس راغبة في مقاضاة أبيه والمطالبة بالاعتراف به من حيث نسبته إليه لا أكثر، رغم أن العائلة ترفض إثارة الموضوع حتى اللحظة، لكنني سأفعل ذلك بمشيئة الله وإن طال الزمان، فمن حق الطفل أن يعترف به أبوه وينتسب له.
ويبقى السؤال المطروح: ما ذنب الأطفال الذين يأتون إلى هذا العالم دون إرادةٍ منهم، ليكونوا عرضةً للمعاناة النفسية وقلق الوجود.
كبيره وتغلط هالغلطه على العموم الإنسان لا بد يتعلم والفتاة خاصه يجب أن تحفظ شرفها وشرف اهلها لأنهم تعبوا في تربيتها ويبقى العار طويلا بعكس الذكر الذي يتسلطف مشاعر الفتاه وثم يرميها الهاويه .
الطفل لا ذنب له الذنب من اتى به لحظة وجود شيطانيه
الخطأ يتحمله الطرفان الذكر والأنثى، وسيستمر العار يلحق بالأنثى وحدها ما دام الذكر لا يساءل على لحظاته الشيطانية.
لماذا دائما البنت هي اللي تتحمل هذه الغلطة وليس الاثنان معا ؟ أرجو ان تتصحح المفاهيم .. مثل هي حرام وفضيحة للبنت كذلك هي حرام للولد .. لا بد يكون هناك قانون يعاقب بها الرجل مثل ما تعاقب البنت من قبل نظرة المجتمع وغيره .
لماذ دائما البنت هي التي تتحمل هذه الغلطة وليس الاثنان معا ؟
أرجو ان تتصحح المفاهيم في المجتمع .. مثل ما هي حرام وفضيحة للبنت كذلك هي حرام للولد .. لا بد ان يكون هناك قانون يعاقب بها الرجل كما تعاقب البنت من انها تتحمل الفضيحة ونظرة المجتمع وتتحمل العبء اذا وقعت في هذه المزالق .. وكيف تقع في المزالق بدون الرجل. الاثنان اخطأوا إذن الاثنان يعاقبوا .
لماذ دائما البنت هي التي تتحمل هذه الغلطة وليس الاثنان معا ؟
أرجو ان تتصحح المفاهيم في المجتمع .. مثل ما هي حرام وفضيحة للبنت كذلك هي حرام للولد .. لا بد ان يكون هناك قانون يعاقب بها الرجل كما تعاقب البنت من انها تتحمل الفضيحة ونظرة المجتمع وتتحمل العبء اذا وقعت في هذه المزالق .. وكيف تقع في المزالق بدون الرجل. الاثنان اخطأوا إذن الاثنان يعاقبوا .
ما تزال عقليات الرجال الرجعية المتخلفة تنسب الخطأ للمرأة
وعلى البنت وحدها أن تتحمل المسؤولية