الثقافي

الصدفيات: صناعة تراثية سورية واكبت حياة الانسان


إعداد: منى أبو آذان
ينتمي الصدف إلى شعبة الرخويات، وله أنواع هي البحري والنهري والبري، وأشكال عدة منها شكل القوقعة والحلزوني والمخروطي والمحار منتفخ البطن.
يعود أقدم دليل على استخدام الانسان في سورية للصدف إلى نحو45 ألف عام ق.م، إذ استخدم بعد ثقبه بوصفه حُلي شخصية مثل الأطواق أو الأساور أو الخلاخيل أو نطاق حول الخصر. وخلال الألف السابع ق.م استخدم في صناعة وتزيين الفخار، كما استخدم في الختم، وفي نحو الألف الرابع استخدم في العد والاحصاء وربما حساب الوزن. أما خلال العصور التاريخية فقد توسع استخدام الصدف في صناعة علب وأدوات الزينة والصناديق والكراسي، ودخل في جهاز العرائس.


شاعت تجارة الصدفيات خلال العصر الآرامي وازدهرت خلال العصر الأموي وأصبحت الصدفيات تزين واجهات وأثاث القصور والكنائس والمساجد.
يظهر في استخدام الصدف نوعين من الصناعة: الأول استخدام الصدف بشكله الكامل في صناعة المشغولات المختلفة، والثاني استخدام الصدف من صنف المحار لتطعيم الخشب مثل الجوز والسنديان والبلوط والعرعر والأرز.


اشتهرت دمشق بصناعة تطعيم الصدف لاسيما على خشب الجوز المتوفر في غوطتها، ونال ما يُعرف بـ «التطعيم الدمشقي» شهرة عالميّة قاومت مختلف التحديات.
تبدأ صناعة التطعيم بالصدف بجمع المحار، فقد يأتي مستوردًا من الفلبين، والصين والهند ومن البحرين وقطر، وبسبب صعوبات الأزمة السورية لجأ بعض الحرفيين إلى استخدام الصدف المحلي من نهر الفرات في دير الزور، ومن ثم يأتي العمل على «الصنفرة» أي إزالة البروزات على سطح الصدف، ثم يأتي التشريح والتقطيع.


يقوم الحرفي برسم الشكل المراد تزيينه على ورق شاف لنقله على جسم الخشب، ومن ثمَّ يعمل على حفر الرسومات وتحديد مكان تنزيل الصدف، هنا قد يرغب الصانع بإضافة إطار لمكان التزيين بالصدف وهو ما يعرف بالتأطير أو التسليك أي استخدام سلك من الفضة أو القصدير، ومؤخرًا أصبح يستخدم سلك من خشب الليمون ذي اللون الأصفر أو سلك بلاستيكي، ويتعين على الصانع في هذه الحالة حفر مكان تنزيل الصدف مرة أخرى بعد إنزال سلك التأطير في مكانه، ثم تنزيل قطع الصدف في مكانها المطلوب. وهو ما يطلق عليه الحرفيون المَثل المأثور «حفر وتنزيل».


تنتهي عملية التطعيم ليَصار إلى آخر مرحلة وهي التثبيت بصمغ نباتي خاص، ومن ثم التلوين والتلميع «البردخة» ويسمى الشخص المسؤول عن التلوين والتلميع بـ «المبردخ» الذي يعمل على تلوين الخشب بمادة خاصة لإعطائه لونه المعروف، ويتأكد المبردخ من نظافة الصدف وعدم تلوثه من خلال تمريغه بنشارة الخشب الناعمة لإزالة كل ما علق به من بقايا الصمغ أو الألوان.


تضم مشغولات الصدفيات الأثاث وبراويز المرايا أو الصور، وحوامل السرج أو مصابيح الإنارة، وتحف وصناديق للزينة، وحقائب نسائية، والكثير من المجسمات.
تشكل الصدفيات بأنواعها المختلفة مطلبًا محليًا وعالميًا، إذ يتم تصدير المشغولات إلى مختلف دول العالم. ويشارك بها الحرفيون في المعارض والفعاليات الاقتصادية والثقافية المتنوعة. ما يجعل من الصدفيات عنصرًا تراثيًّا تخطى حدود المكان عبر الزمن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى